فصل: (فصل: إن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه أخبر بما يكون بعده من الأمور):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.(فصل: إن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه أخبر بما يكون بعده من الأمور):

وإن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه أخبر بما يكون بعده من الأمور فكذلك عامة الأنبياء، وكثير من الناس يخبر عن حوادث في المستقبل جزئية ويكون ذلك كما أخبر به، ويقع من ذلك كثير للكهان والمنجمين والسحرة!

.فصل:(إن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه سمى نفسه ابن الله):

وإن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه سمى نفسه ابن الله في غير موضع من الإنجيل كقوله إني ذاهب إلى أبي وإني سائل أبي ونحو ذلك وابن الإله إله، قيل فاجعلوا أنفسكم كلكم آلهة في غير موضع إنه سماه أباه، وأباهم كقوله أذهب إلى أبي وأبيكم وفيه ولا تسبوا أباكم على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده وهذا كثير في الإنجيل وهو يدل على أن الأب عندهم الرب!! وإن جعلتموه إلها لأن تلاميذه ادعوا ذلك لهوهم أعلم الناس به كذبتم أناجيلكم التي بأيديكم فكلها صريحة أظهر صراحة بأنهم ما ادعوا له ما ادعاه لنفسه من أنه عبد، فهذا متى يقول في الفصل التاسع من إنجيله محتجا بنوبة أشعيا في المسيح عن الله عز وجل هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي ارتاحت نفسي له وفي الفصل الثامن من إنجيله إني أشكرك يا رب ويا رب السموات والأرض وهذا لوقا يقول في آخر إنجيله إن المسيح عرض له ولآخر من تلاميذه في الطريق ملك وهما مخزونان فقال: لهما وهما لا يعرفانه ما بالكما محزونين؟ فقالا: كأنك غريب في بيت المقدس، إذ كنت لا تعلم ما حدث فيها في هذه الأيام من أمر الناصري فإنه كان رجلا نبيا قويا تقيا في قوله وفعله عند الله وعند الأمة أخذوه واقتلوه وهذا كثير جدا في الإنجيل!!

.فصل:(إن قلتم: إنما جعلناه إلها لأنه صعد إلى السماء):

وإن قلتم: إنما جعلناه إلها لأنه صعد إلى السماء. فهذا أخنوخ وإلياس قد صعدا إلى السماء وهما حيان مكرمان لم تشكهما شوكة ولا طمع فيهما طامع، والمسلمون مجمعون على أن محمدا صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء وهو بعد محض، وهذه الملائكة تصعد إلى السماء وهما حيان مكرمان لم تشكهما شوكة ولا طمع فيهما طامع، والمسلمون مجمعون على أن محمدا صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء وهو عبد محض، وهذه الملائكة تصعد إلى السماء، وهذه أرواح المؤمنين تصعد إلى السماء مخرج عن العبودية بوجه من الوجوه؟!! وإن جعلتموه إلها لأن الأنبياء سمته إلها وربا وسيدا ونحو ذلك فلم يزل كثير من أسماء الله عز وجل تقع على غيره عند جميع الأمم وفي سائر الكتب، وما زالت الروم والفرس والهند والسريانيون والعبرانيون والقبط وغيرهم يسمون ملوكهم آلهة وأربابا، وفي السفر الأول من التوراة أن نبي الله دخلوا على بنات إلياس ورأوهن بارعات الجمال فتزوجوا منهن وفي السفر الثاني من التوراة في قصة المخرج من مصر إني جعلتك إلها لفرعون وفي المزمور الثاني والثمانين لداود قام الله لجميع الآلهة هكذا في العبرانية، وأما من نقله إلى السريانية فإنه حرفه فقال: قام الله في جماعة الملائكة وقال في هذا المزمور وهو يخاطب قوما بالروح: لقد ظننت أنكم آلهة وأنكم أبناء الله كلكم وقد سمى الله سبحانه عبده بالملك، كما سمى نفسه بذلك، وسماه بالرءوف الرحيم كما سمى نفسه بذلك، وسماه بالعزيز وسمى نفسه بذلك. واسم الرب واقع على غير الله تعالى في لغة أمة التوحيد، كما يقال هذا رب المنزل ورب الإبل ورب هذا المتاع، وقد قال أشعيا: عرف الثور من اقتناه والحمار مربط ربه ولم يعرف بنو إسرائيل.
وإن جعلتموه إلها لأنه صنع من الطين صورة طائر ثم نفخ فيها فصارت لحما ودما وطائرا حقيقة ولا يفعل هذا إلا الله، قيل فاجعلوا موسى بن عمران إله الآلهة فإنه ألقى عصا فصارت ثعبانا عظيما ثم أمسكها بيده فصارت عصا كما كانت!!

.فصل: (إن قلتم: جعلناه إلها لشهادة الأنبياء والرسل بذلك):

وإن قلتم: جعلناه إلها لشهادة الأنبياء والرسل بذلك، قال عزرا حيث سباهم بختنصر إلى أرض بابل إلى أربعمائة واثنين وثمانين سنة: يأتي المسيح ويخلص الشعوب والأمم وعند انتهاء هذه المدة أتى المسيح، ومن يطيق تخليص الأمم من الكفر والشرك وخلصوهم من النار بإذن الله وحده، ولا شك أن المسيح خلص من آمن به واتبعه من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، كما خلص موسى بني إسرائيل من فرعون وقومه، وخلصهم بالإيمان بالله واليوم الآخر من عذاب الآخرة، وخلص الله سبحانه بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله من الأمم والشعوب ما لم يخلصه نبي سواه فإن وجبت بذلك الإلهية لعيسى فموسى ومحمد أحق بها منه.

.فصل: (إن قلتم أوجبنا له بذلك الإلهية لقول أرمياء النبي):

وإن قلتم أوجبنا له بذلك الإلهية لقول أرمياء النبي عن ولادته: وفي ذلك الزمان يقوم لداود ابن، وهو ضوء النور، يملك الملك، ويقيم الحق والعدل نفي الأرض، ويخلص من آمن به من اليهود ومن بني إسرائيل ومن غيرهم، ويبقى بيت المقدس من غير مقاتل، ويسمى الإله فقد تقدم أن اسم الإله في الكتب المتقدمة وغيرها قد أطلق على غيره وهو بمنزلة الرب والسيد والأب ولو كان عيسى هو الله لكان أجل من أن يقال ويسمى إله وكان يقول وهو الله، فإن الله سبحانه لا يعرف بمثل هذا، وفي هذا الدليل الذي جعلتموه به إلها أعظم الأدلة على أنه عبد وإنه ابن البشر، فإنه قال: يقوم لداود ابن فهذا الذي قام لداود هو الذي سمى بالإله، فعلم أن هذا الاسم لمخلوق مصنوع مولود لا لرب العالمين وخالق السموات والأرضين.
وإن قلتم إنما جعلنا إلها من جهة قول أشعيا النبي: قل لصهيون يفرح ويتهلل فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ويخلص من آمن به ويخلص مدينة بيت المقدس ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المتبددين ويجعلهم أمة واحدة، ويصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم وبين أيديهم ويجمعهم إله إسرائيل قيل لهم هذا يحتاج أولا إلى أن يعلم أن ذلك في نبوة أشعيا بهذا اللفظ بغير تحريف للفظه ولا غلط في الترجمة، وهذا غير معلوم، وإن ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على أنه إله تام وأنه غير مصنوع ولا مخلوق فإنه نظير ما في التوراة: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران وليس في هذا ما يدل على أن موسى ومحمدا إلهان والمراد بهذا مجيء دينه، وكتابه وشرعه وهداه ونوره، وأما قوله: ويظهر ذراعه الطاهر لجميع الأمم المبديين ففي التوراة مثل هذا وأبلغ منه في غير موضع، وأما قوله: ويصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم ومن بين أيديهم فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني إسرائيل: لا تهابوهم ولا تخافوهم لأن الله ربكم السائر بين أيديكم وهو محارب عنكم وفي موضع آخر قال موسى إن الشعب هو شعبك، فقال أن أمضي أمامك، فقال إن لم تمض أنت أمامنا وإلا فلا تصعدنا من ههنا، فكيف أعلم أنا وهذا الشعب إن وجدت نعمة كذا غلا بسيرك معنا وفي السفر الرابع إني أصعدت هؤلاء بقدرتك فيقولان لأهل هذه الأرض الذي سمعوا منك الله فيما بين هؤلاء القوم يرونه عينا بعين وغمامك تغيم عليهم ويعود غماما يسير بين أيديهم نهارا ويعود نارا ليلا وفي التوراة أيضا يقول الله لموسى إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك وفي الكتب الإلهية وكلام الأنبياء من هذا كثير، وفيما حكة خاتم الأنبياء عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي.
وإن قلتم جعلنا إلها لقول زكريا في نبوته صهيون لأني آتيك وأحل فيك وأتراءى، وتؤمن بالله في ذلك اليوم الأمم الكثيرة، ويكونون له شعبا واحدا، ويحل هو فيهم ويعرفون أني أنا الله القوي الساكن فيك، ويأخذ الله في ذلك اليوم الملك من يهودا ويملك عليهم إلى الأبد قيل لكم إن أوجبتم له الإلهية بهذا فلتجب لإبراهيم وغيره من الأنبياء، فإن عند أهل الكتاب وأنتم معهم إن الله تجلى لإبراهيم واستعلن له وترائى له. وأما قوله:وأحل فيك لم يرد سبحانه بهذا حلول ذاته التي لا تسعها السموات والأرض في بيت المقدس، وكيف تحل ذاته في مكان يكون فيه مقهورا مغلوبا مع شرار الخلق؟! كيف وقد قال: ويعرفون أني أنا الله القوي الساكن فيك؟ أفترى عرفوا قوته بالقبض عليه وشد يديه بالحبال وربطه على خشبة الصليب ودق المسامير في يديه ورجليه ووضع تاج الشوك على رأسه وهو يستغيث ولا يغاث، وما كان المسيح يدخل بيت المقدس إلا وهو مغلوب مقهور مستخف في غالب أحواله. ولو صح مجيء هذه الألفاظ صحة لا تدفع وصحت ترجمتها كما ذكروه لكان معناها أن معرفة الله والإيمان به وذكره ودينه وشرعه حل في تلك البقعة، وبيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح بعد رفعه حصل فيه من الإيمان بالله ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك.
وجماع الأمر أن النبوات المتقدمة والكتب الإلهية لم تنطق بحرف واحد يقتضي أن يكون ابن البشر إلها تاما: إله حق من إله حق، وأنه غير مصنوع ولا مربوب، بل لم يخصه إلا بما خص به أخوه وأولى الناس به محمد بن عبد الله في قوله: إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكتب الأنبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك كله يصدق بعضه بعضا، وجميع ما تستدل به المثلثة عباد الصلب على إلهية المسيح من ألفاظ وكلمات في الكتب فإنها مشتركة بين المسيح وغيره كتسميته أبا وكلمة وروح حق وإلها، وكذلك ما أطلق من حلول روح القدس فيه وظهور الرب فيه أو في مكانه.

.وباء حلولهم أصاب بعض مبتدعة الصوفية وعباد الجهمية:

وقد وقع في نظير شركهم وكفرهم طوائف من المنتسبين إلى الإسلام واشتبه عليهم ما يحل في قلوب العارفين من الإيمان به ومعرفته ونوره وهداه فظنوا أن ذلك نفس ذات الرب، وقد قال تعالى: المثل الأعلى وقال: {وَلَهُ المَثَلُ الأَعلى في السَمَواتِ وَالأَرض وَهُو العَزيزُ الحَكيم} وهو ما في قلوب ملائكته وأنبيائه وعباده المؤمنين من الإيمان به ومعرفته ومحبته وإجلاله وتعظيمه، وهو نظير قوله: {فإِن آَمَنوا بِمِثلِ ما آََمَنَتُم بِهِ فَقَد اهتدوا} وقوله: {وَهُوَ الَّذي في السَماءِ إِلهٌ وَفي الأًَرضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكيمُ العَلَيم} فأولياء الله يعرفونه ويحبونه ويجلونه، ويقال: هو في قلوبهم. والمراد محبته ومعرفته والمثل الأعلى في قلوبهم لا نفس ذاته وهذا أمر يعتاده الناس في مخاطباتهم ومحاوراتهم يقول الإنسان لغيره: أَنتَ في قَلبي وَلا زَلتَ في عيني كما قال القائل:
وَمِن عَجبٍ أَني أُحِنُّ إِليهِم ** وَأسأَل عَنهُم مَن لَقيتَ وَهُم مَعيَ

وَتَطلُبُهُم عَيني وَهُم في سوادِها ** وَيَشتاقُهُم قَلبي وَهُم بَينَ أَضلُعي

وقال آخر:
خَيالُكَ في عيني وَذِكرُكَ في فمي ** وَمَثواكَ في قَلبي فَأَينَ تَغيبُ

وقال آخر:
ساكنُ في القَلبِ يَعمُرُهُ ** لَستَ أَنساهُ فَأَذكُرُه

وقال آخر:
إِن قُلتَ غِبتَ فَقَلبي لا يُصَدِقُني ** إِذ أَنتَ فيهِ لَم تَغبِ

أَو قُلتَ ما غِبتُ قالَ الطَرفُ ذا كَذِبِ ** فَقَد تَحيرتُ بَينَ الصِدقِ وَالكَذِبِ

وقال الآخر:
أُحِنُ إِليهِ وَهُوَ في القَلبِ ساكِنُ ** فَيا عَجَباً لِمَن يَحِنُ لِقَلبِهِ

ومن غلظ طبعه وكشف فهمه عن فهم مثل هذا لم يكثر عليه أن يفهم من ألفاظ الكتب إن ذات الله سبحانه تحل في الصورة البشرية وتتحد بها وتمتزج بها {تَعالى اللَهُ عَما يَقولُ الكافرِون عُلوًّا كَبيراً}.